فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (100):

قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (100)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما بان بما مضى حال الكفار مجملًا ومفصلًا، وكان المقصود من ذلك عبرة السامعين، وكان أخذهم بالبأساء والضراء مع إبقاء مهجهم وحفظ أرواحهم وأفهامهم بعد إهلاك من قبلهم في بعض ما لحقهم من ذلك وإيراثهم الأرض من بعدهم حالًا يكونون بها في حيز من يرجى منه الخوف المقتضي للتضرع والعلم قطعًا بأن الفاعل لذلك هو الله، وأنه لو شاء لأهلكهم بالذنوب أو غطى أفهامهم بحيث يصيرون كالبهائم لا يسمعون إلا دعاء ونداء، فسماعهم حيث لا فهم كلا سماع، فجعلوا ذلك سببًا للأمن؛ أنكر عليهم ذلك بقوله: {أفأمن} إلى آخره؛ ثم أنكر عليهم عدم الاستدلال على القدرة فقال عاطفًا على {أفأمن}: {أولم يهد} أي يبين أخذنا الأمم الماضية بالبأساء والضراء ثم إهلاكهم إذا لم يتعظوا {للذين يرثون الأرض} وأظهر موضع الإضمار تعميمًا وتعليقًا للحكم بالوصف وإشارة إلى بلادتهم لعدم البحث عن الأخبار ليعلموا منها ما يضر وما ينفع فلا يكونوا كالبهائم، فإنهم لو تأملوا أحوالهم وأحوال من ورثوا أرضهم وأحوال الأرض لكفاهم ذلك في الهداية إلى سواء السبيل.
ولما كان إرثهم غير مستغرق للزمان، أتى بالجارّ فقال: {من بعد أهلها} ثم ذكر مفعول {يهد} بقوله: {أن} أي إنا {لو نشاء} أي في أيّ وقت أردنا {أصبناهم بذنوبهم} أي إصابة نمحقهم بها كما فعلنا بمن ورثوا أرضهم؛ ولما كان هذا تخويفًا للموجودين بعد المهلكين، ومنهم قريش وسائر العرب الذين يخاطبون بهذا القرآن، فكأن المخوف به لم يقع بعد، عطف على أصبنا قوله: {ونطبع على قلوبهم} أي بإزالة عقولهم حتى يكونوا كالبهائم، ولذلك سبب عنه قوله: {فهم لا يسمعون} أي سماع فهم، وعبر عن الإصابة بالماضي إشارة إلى سرعة الإهلاك مع كونه شيئًا واحدًا غير متجزىء، وعن الطبع بالمضارع إيماء إلى التجدد بحيث لا يمر زمن إلا كانوا فيه في طبع جديد. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى لما بين فيما تقدم من الآيات حال الكفار الذين أهلكهم الله بالاستئصال مجملًا ومفصلًا أتبعه ببيان أن الغرض من ذكر هذه القصص حصول العبرة لجميع المكلفين في مصالح أديانهم وطاعاتهم. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى:
اختلف القراء فقرأ بعضهم {أَوَلَمْ يَهْدِ} بالياء المعجمة من تحتها، وبعضهم بالنون، قال الزجاج: إذا قرئ بالياء المعجمة من تحت كان قوله: {أَن لَّوْ نَشَاءُ} مرفوعًا بأنه فاعله بمعنى أو لم يهد للذين يخلفون أولئك المتقدمين ويرثون أرضهم وديارهم، وهذا الشأن وهو أنا لو نشاء أصبناهم بذنوبهم كما أصبنا من قبلهم وأهلكنا الوارثين كما أهلكنا المورثين، إذا قرئ بالنون فهو منصوب، كأنه قيل أولم نهد للوارثين هذا الشأن بمعنى أو لم نبين لهم أن قريشًا أصبناهم بذنوبهم كما أصبنا من قبلهم؟
المسألة الثانية:
المعنى أو لم نبين للذين نبعثهم في الأرض بعد إهلاكنا من كان قبلهم فيها فنهلكهم بعدهم؟ وهو معنى لو نشاء أصبناهم بذنوبهم، أي عقاب ذنوبهم، وقوله: {وَنَطْبَعُ على قُلُوبِهِمْ} أي إن لم نهلكهم بالعقاب نطبع على قلوبهم {فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ} أي لا يقبلون، ولا يتعظون، ولا ينزجرون وإنما قلنا: إن المراد إما الإهلاك وإما الطبع على القلب، لأن الإهلاك لا يجتمع مع الطبع على القلب، فإنه إذا أهلكه يستحيل أن يطبع على قلبه.
المسألة الثالثة:
استدل أصحابنا على أنه تعالى قد يمنع العبد عن الإيمان بقوله: {وَنَطْبَعُ على قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ} والطبع والختم والرين والكنان والغشاوة والصد والمنع واحد على ما قررناه في آيات كثيرة.
قال الجبائي: المراد من هذا الطبع أنه تعالى يسم قلوب الكفار بسمات وعلامات تعرف الملائكة بها أن أصحابها لا يؤمنون، وتلك العلامة غير مانعة من الإيمان.
وقال الكعبي: إنما أضاف الطبع إلى نفسه لأجل أن القوم إنما صاروا إلى ذلك الكفر عند أمره وامتحانه فهو كقوله تعالى: {فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِى إِلاَّ فِرَارًا} [نوح: 6].
واعلم أن البحث عن حقيقة الطبع والختم قد مر مرارًا كثيرة فلا فائدة في الإعادة.
المسألة الرابعة:
قوله: {وَنَطْبَعُ} هل هو منقطع عما قبله أو معطوف على ما قبله.
فيه قولان:
القول الأول: أنه منقطع عن الذي قبله، لأن قوله: {أصبنا} ماض وقوله: {وَنَطْبَعُ} مستقبل وهذا العطف ليس بمستحسن، بل هو منقطع عما قبله، والتقدير: ونحن نطبع على قلوبهم.
والقول الثاني: أنه معطوف على ما قبله قال صاحب الكشاف: هو معطوف على ما دل عليه معنى {أَوَ لَمْ يَهْدِ} كأنه قيل يغفلون عن الهداية، ونطبع على قلوبهم أو معطوف على قوله: {يَرِثُونَ الأرض} ثم قال: ولا يجوز أن يكون معطوفًا على {أصبناهم} لأنهم كانوا كفارًا وكل كافر فهو مطبوع على قلبه، فقوله بعد ذلك: {وَنَطْبَعُ على قُلُوبِهِمْ} يجري مجرى تحصيل الحاصل وهو محال، هذا تقرير قول صاحب الكشاف على أقوى الوجوه وهو ضعيف، لأن كونه مطبوعًا عليه إنما يحصل حال استمراره وثباته عليه، فهو يكفر أولًا، ثم يصير مطبوعًا عليه في الكفر، فلم يكن هذا منافيًا لصحة العطف. اهـ.

.قال السمرقندي:

{أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأرض} يعني أو لم يبيّن.
قال القتبي: أصل الهدى الإرشاد كقوله: {عسى رَبّى أَن يَهْدِيَنِى} يعني: يرشدني.
ثم يصير الإرشاد لمعان منها إرشاد بيان مثل قوله: {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ} يعني: أو لم يبين لهم.
ومنها إرشادٌ بمعنى بالدعاء كقوله: {وَيَقُولُ الذين كَفَرُواْ لولا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد: 7] يعني: نبيًا يدعوهم وقوله: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الخيرات وَإِقَامَ الصلاة وَإِيتَاءَ الزكاة وَكَانُواْ لَنَا عابدين} [الأنبياء: 73] أي يدعون الخلق.
وقرأ بعضهم أو لم نهد بالنون يعني: أو لم نبين لهم الطريق.
ومن قرأ بالياء معناه: أو لم يبين الله للذين يرثون الأرض من بعد أهلها يعني: ينزلون الأرض {مِن بَعْدِ} هلاك {أَهْلِهَا}.
ويقول أو نبيّن لأهل مكة هلاك الأمم الخالية كيف أهلكناهم ولم يقدر مبعودهم على نصرتهم.
{أَن لَّوْ نَشَاء أصبناهم بِذُنُوبِهِمْ} يعني: أهلكناهم بذنوبهم كما أهلكنا من كان قبلهم عند التكذيب.
ثم قال: {وَنَطْبَعُ على قُلُوبِهِمْ} يعني: نختم على قلوبهم بأعمالهم الخبيثة عقوبة لهم {فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ} الحق ولا يقبلون المواعظ. اهـ.

.قال الثعلبي:

{أَوَلَمْ يَهْدِ}.
قرأ أبو عبد الرحمن وقتادة ويعقوب في رواية زيد {نهد} بالنون على التعظيم والباقون بالياء على التفريد {لِلَّذِينَ يَرِثُونَ} يستخلفون في {الأرض} بعد هلاك آخرين قبلهم كانوا أهلها فساروا بسيرتهم [....] ربّهم {أَن لَّوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ} أهلكناهم {بِذُنُوبِهِمْ} بما أهلكنا من قبلهم {وَنَطْبَعُ} نختم {على قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ} الهدى ولا يقبلون الموعظة. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {فَهُم لاَ يَسْمَعُونَ} أي لا يقبلون، كما قال في الصلاة، سمع الله لمن حمده، أي قبل الله ممن حمده، وقال الشاعر:
دَعَوْتُ اللَّهَ حَتَّى خِفْتُ أَلاَّ ** يَكُونَ اللَّهُ يَسْمَعُ مَا أَقُولُ

أي يقبل. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله: {أو لم يهد للذين يرثون الأرض} الآية، هذه ألف تقرير دخلت على واو العطف، ويهدي معناه يبين والهدى الصباح وأنشدوا على ذلك:
حتى استبنت الهدى والبيد هاجمة ** يسبحن في الآل غلفًا أو يصلينا

ويحتمل أن يكون المبين الله ويحتمل أن يكون المبين قوله: {أن لو نشاء} أي علمهم بذلك وقال ابن عباس ومجاهد وابن زيد: ويهدي معناه يتبين، وهذه أيضًا آية وعيد، أي ألم يظهر لوارث الأرض بعد أولئك الذين تقدم ذكرهم وما حل بهم أنا نقدر لو شئنا أن نصيبهم إصابة إهلاك بسبب معاصيهم كما فعل بمن تقدم وكنا نطبع: أي نختم، ونختم عليها بالشقاوة، وفي هذه العبارة ذكر القوم الذين قصد ذكرهم وتعديد النعمة عليهم فيما ورثوا والوعظ بحال من سلف من المهلكين، ونطبع عطف على المعاصي إذ المراد به الاستقبال، ويحتمل أن يكون ونطبع منقطعًا إخبارًا عن وقوع الطبع لا أنه متوعد به ويبقى التوعد بالإهلاك الذي هو بعذاب كالصيحة والغرق ونحوه، وقرأ أبو عمرو: {ونطبع على} بإدغام العين في العين وإشمام الضم، ذكره أبو حاتم. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {أولم يهد للذين}.
قرأ يعقوب {نَهِد} بالنون، وكذلك في [طه: 128] و[السجدة: 26].
قال الزجاج: من قرأ بالياء، فالمعنى: أو لم يبيِّن الله لهم.
ومن قرأ بالنون، فالمعنى: أو لم نبيِّن.
وقوله تعالى: {ونطبع} ليس بمحمول على {أصبناهم}، لأنه لو حمل على {أصبناهم} لكان: ولطبعنا.
وإنما المعنى: ونحن نطبع على قلوبهم.
ويجوز أن يكون محمولًا على الماضي، ولفظه لفظ المستقبل، كما قال: {أن لو نشاء}، والمعنى: لو شئنا.
وقال ابن الأنباري: يجوز أن يكون معطوفًا على: أصبنا، إذ كان بمعنى نُصيب؛ فوضع الماضي في موضع المستقبل عند وضوح معنى الاستقبال، كما قال: {تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرًا من ذلك} [الفرقان: 10] أي: إن يشأ، يدل عليه قوله: {ويجعل لك قصورًا}، قال الشاعر:
إنْ يَسْمَعُوا رِيْبِةً طارُوا بِهَا فَرَحًا ** مِنَّي، وَمَا سَمِعُوا مِنْ صَالِحٍ دَفَنُوا

أي: يدفنوا.
قوله تعالى: {فهم لا يسمعون} أي: لا يقبلون، ومنه: سمع الله لمن حمده، قال الشاعر:
دَعَوْتُ الله حتَّى خِفْتُ أنْ لاَ ** يَكُوْنَ اللهُ يَسْمَعُ مَا أقُوْل

. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَهْدِ} أي يُبيِّن.
{لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأرض} يريد كفار مكة ومن حولهم.
{أَصَبْنَاهُمْ} أي أخذناهم {بِذُنُوبِهِمْ} أي بكفرهم وتكذيبهم.
{وَنَطْبَعُ} أي ونحن نطبع؛ فهو مستأنف.
وقيل: هو معطوف على أصبنا، أي نصيبهم ونطبع؛ فوقع الماضي موقع المستقبل. اهـ.